رغم فقدها لضوء عينيها في ربيع شبابها، والمعوقات الاجتماعية التي كانت أمامها، استطاعت الأم التركية شيماء سَفيم صالح، التغلب عليها كلها، متخذة العلم نبراسا يضئ لها طريقها المظلم، للتتخرج من أرقى الجامعات التركية الأولى على دفعتها، فمن صميم الألم يولد الإبداع ومن كبد المعاناة تولد الإرادة.
تخرجت شيماء العام الحالي من جامعة البوسفور، التي تصنف من بين أفضل الجامعات التركية، بدرجة امتياز، حيث بلغ معدلها 3.93 من أربعة، لتكون الأولى على دفعتها.
في حديثها للأناضول، بينت شيماء أنها ولدت وهي ترى الأشياء بكل وضوح، ومع تقدم العمر وتحديدا في مرحلة الدراسة الإعدادية، بدأت تفقد قدرتها على الرؤية عن بعد، وعند معاينتها من الأطباء تبين أنها مصابة بمرض العشى الليلي، الذي يعاني صاحيه من صعوبة في الرؤية ليلاً أو في ظل الإضاءة الخافتة.
ومع تقدم العمر أكثر، اضطرت صالح لأن تعود إلى تركيا من البوسنة التي توجهت إليها من أجل دراستها الجامعية، للسنة الدراسية 2004-2005.
ويوما بعد يوم زاد خفوت ضوء عيني شيماء أكثر فأكثر لتفقد قدرتها بعد ذلك على رؤية الألوان، وتراجع قدرة الرؤية لديها، لتصل إلى مرحلة رؤية الأشياء وكأنها أشبه بالخيال أو الظلال. قائلة: ” لست معتادة على الوضع الذي أنا عليه الآن، فأنا على عكس من يولد ضريرا ويتأقلم مع وضعه، أنا فقدت بصري تدريجيا وهذا صعب جدًا بالنسبة لي”.
وأضافت” إن قصر النظر عندي كان منذ الولادة، إلا أننا لم نعرف ذلك، إن النجوم تبدو للناظر وكأن لها زوايا وأضلاع، أما أنا فكنت دائما أشاهد النجوم كالكرات المضيئة”.
في عام 2004 تمّ رفض قبول انتساب صالح لجامعة البوسفور ولعدة جامعات أخرى، بسبب حجابها أولًا ثم دراستها في مدرسة الأئمة والخطباء التركية ثانيا والتي كانت هيئة التعليم العالي التركية تفرض عليهم درجات قبول أعلى من درجات طلاب المدارس الرسمية الحكومية.
اضطرت شيماء بعدها التوجه إلى البوسنة والهرسك طلبا للعلم، إلا أن تفاقم وضع حالة عينيها الصحية أجبرها على العودة من جديد إلى البلاد، وعلى الرغم من ذلك لم تحد شيماء عن جادة العلم والتعلم، فالتحقت بفرع الجامعة الإسلامية (مركزها هولندا) قسم العلوم الإسلامية بمدينة إسطنبول، لتتعلم اللغة العربية فيها بشكل جيد. ولعدم وجود معادل لشهادة الجامعة الإسلامية في تركيا، لجأت للتعليم المفتوح من أجل الدراسة في قسم الشريعة بجامعة الأناضول.
لم تنل حالة شيماء الصحية وقوانين القبول الجامعي في تركيا، من عزيمتها في الحصول على الشهادة الجامعية، في عام 2012 قررت دخول امتحان القبول الجامعي بتركيا، لتفتح لها أبواب الدراسة الجامعية في برنامج التوجيه والإرشاد النفسي بكلية التربية بجامعة البوسفور، بعد أن سمحت بعض الجامعات دراسة المحجبات في أروقتها.
وأشارت إلى أنّ أكبر مكسب في حياتها كان إكمال تعليمها الجامعي أولا ثم دخول عالم الحاسب الآلي.
درست شيماء سنة تحضيرية و4 سنوات دراسة جامعية، للتتخرج الأولى على دفعتها قائلة: “كان لأساتذتي دور كبير في دراستي، كنت أقدم الامتحانات عن طريق التسجيل الصوتي”.
ولفتت شيماء أنها تزوجت أثناء دراستها، ولديها طفلة تبلغ من العمر عاما ونصف العام، قائلة، “الضريرة يمكن أن تكون أمًا، كسائر الفتيات. إن كنّ يؤدين واجباتهن تجاه أطفالهن بالنظر فأنا أقوم بذلك بالتحسس واللمس، وعلى الرغم أني أتأخر بفعل ذلك إلا أنني أقوم به في نهاية المطاف، العائق أمام الضريرة لأن تكون أما هو كلام المجتمع”.
وأشادت شيماء بجامعتها التي لعبت بحسب ما ذكرته، دورا كبيرا في تغيير مجرى حياتها، ووصفتها بالمؤسسة التعليمية الأنسب للتغلب على الإعاقة، والتي أكسبتها قدرة تحدي كلّ شئ.
وأكدت شيماء في نهاية حديثها على عزمها مواصلة مشوارها التعليمي، بحصولها على مقعد لدراسة الماجستير بقسم التوجيه والإرشاد النفسي في جامعة البوسفور.
الأناضول